نحن هنـــــــا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
دخولالبوابةأحدث الصورالتسجيلالرئيسية

 

 رواية اول الغيث.. سبر اغوار الوجوه (الحلقة الاولى)

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
دمعة شوق
مشرفة منتدى الشعر وهمس الخواطر
مشرفة منتدى الشعر وهمس الخواطر



عدد الرسائل : 2
تاريخ التسجيل : 19/11/2006

رواية اول الغيث.. سبر اغوار الوجوه (الحلقة الاولى) Empty
مُساهمةموضوع: رواية اول الغيث.. سبر اغوار الوجوه (الحلقة الاولى)   رواية اول الغيث.. سبر اغوار الوجوه (الحلقة الاولى) Emptyالأحد نوفمبر 26, 2006 10:56 am

رواية اول الغيث.. سبر اغوار الوجوه (الحلقة الاولى) A8f596466c

رواية اول الغيث.. سبر اغوار الوجوه (الحلقة الاولى) A8f596466c
الحلقة الاولى:

جلس ممسك بعصاه وفي خطوط جبهته كل علامات السنين تاريخ مر من بين اصبعيه, يتكيء عليها تارة, وتارة أخرى يحركها يمنة ويسره ومع كل صوت يصدره اصطدامها بالحجارة ذكرى الاف الاحداث وندبات عقود من السنين التي لا تنمحي بسهولة من ذاكرته.
هذه حال العم محمد كل يوم نفس الجلسة ونفس السيمفونية التي تصدرها عصاه, يغيب عمن حوله ولا يشعر بأحد.. شاخص البصر ينظر الى البعيد.. الى عالم لا نعرفه وبشر ليس لنا بهم علاقة ولولا حركة عصاه تلك لاعتقدنا انه قد غادر عالمنا.
تجاوز العقد السادس طويل القامة هزيل البنية, له ذقن طويلة اشتعلت شيباً, ملابسة نظيفة ويرتدي (غترة) بهت لونها, ولا يلبس العقال, تلمح في وجهه مسحة حزن وفراق ولوعة.
وبينما هو على هذه الحال اذ به يفاجئك بابتسامة لا تلبث ان تصبح قهقة مسموعة ثم لا يلبث ان يكتسي وجهه بلمحة حزن وصمت وكأنه أم ثكلى لا تسمع الا نشيج يقطع نياط القلب, هذه حاله طوال يومه من شروق الشمس الى مغيبها.
لم يهدأ لي بال وانا اراه على تلك الحالة من التناقضات المريبة فقررت ان اغوص في ذاكرته وسبر اغوار عالمه الذي طالما قتلني فضولي لاعرف كيف هو..؟ وماهو؟
استوقفتني حواجز كثيرة بين عالمينا فالعم محمد لا يتكلم مع من حوله وقلما نستطيع اخراجه ابتسامه منه وايمائه بالترحيب فقط لا غير, اذا كيف السبيل لنيل ثقته لينفرط عقد سبحة ذلك العالم الغريب.
فكرت في عدد من الحلول لكني في قرارة نفسي اعلم ان ذلك لن ينجح معه الى ان خطرت لي فكرة ربما تصيب وقد لا يحالفها الحظ .
في الصباح الباكر ومع شروق الشمس وصلت قبل مجيء العم محمد لمكانه الذي يجلس به كل يوم, قررت ان اقتحم خلوته عل وعسى أن أعبر تلك الحدود وأجتاز حواجز السنين التي ضرب بها بينه وبين من حوله كسياج يصعب اجتيازه.
أرتفعت الشمس ولكن لا اثر للعم محمد , ماذا حدث؟؟ هل اصابه مكروه؟... كنت المحه منذ خمس سنوات على هذه الحالة... ربما انه نام هذه المرة وقد يكون اختار مكان لخلوته المعتادة غير هذا الذي انا فيه الان وربما انه مريض .. الآف الاسئلة في ذهني لم يقطع حبل افكاري تلك الا اذان الظهر, يا الله كم من الوقت مضي علي وانا على هذه الحالة؟
نهضت من مكاني بعد ان الهبت ظهري حرارة الشمس الحارقة التي لم اتنبه لها ولا للرطوبة العالية والتي ادركت حينها ان العم محمد يحمل هموما وذكريات تستحق ما افعله والا لما غيب عن عوامل الطقس القاتلة التي لا يتحملها منهم في عمري فكيف به.
عدت لمنزلي وانا اشعر بخيبة أمل احسست بالهزيمة الا اني في قرارة نفسي قررت عدم الاستسلام وسأعاود الكرة مرة تلو الاخرى.
مساء تلك الليلة قررت ان اعرف سبب عدم مجيء عم محمد فاتجهت الى منزله, وانا في طريقي اليه خيل الي الاف الصور فقد يكون مريض وربما.. اشياء كثيرة مرت بمخيلتي ولن يلغي كل تلك التوقعات الا الوصول اليه وعلى الاقل الوصول لمنزله, بالطبع هذا ان صدق من قام بإعطائي عنوانه, خصوصا عندما لمحت التردد في عينيه وشرود ذهنه للحظات قبل ان يفصح لي به.
اخيرا وصلت لمنزل العم محمد او كما اعتقد انه عنوانه ويا للمفاجئة بقرب منزله ارى صيوان عزاء واناس متجمعون ورؤؤس مطرقة والحزن باد عليها, يا الله سبقني اليه القدر, أحسست بثقل خطواتي..كأن اقدامي مسمرة الى الارض , سحبت قدماي ودلفت لذلك الصيوان, فجلست حتى ينتهى المقرىء من تلاوة القرآن الكريم , كان الصيوان ممتلء بعدد كبير من الناس تفحصت وجوههم الا اني لم اعرف اي منهم .... أخذوا بالدعاء للميت بالرحمة بعد ان انهى المقرى قراءة ما تيسر له من القرآن الكريم, فتقدمت معهم وقدمت سنة العزاء وعندما هممت بالمغادرة اذ بأحد المعزيين يقول كانت أم مثالية رحمها الله, .... أم مثالية..! ماذا يعني هذا؟.. اذً العم محمد ليس هو من مات..!! لم أشعر بنفسي الا وانا اغادر مقر العزاء متجها لمنزل خلف الصيوان فدخلت من مدخل العمارة والتقيت باحدهم هممت بسؤاله اذ به يقول: العزاء خارج المبنى وليس في الداخل يا أخي..
فقلت: "من مات ؟؟"
فقال: "انها أم محمد عجوز كلها بركة .. أم الجميع في الحي...رحمها الله" لمحت في عينيه بريق دموع ينبي بمكانتها في نفسه ونفوس أهل الحي.
فقلت: "هل لها علاقة بالعم محمد..؟ .... "
حاول ان يخفي وجهه وبصوت متحشرج قال:"نعم هي والدته وقد توفت البارحة.."
فقلت:"واين العم محمد لم أره في العزاء؟؟"
مسح باطراف اصابعه ماظهر من دموعه التي غلبته واصطنع السعال ليطرد العبره ثم قال: "العم محمد .. عندما علم بموت والدته لم يحتمل الصدمة فنقل الى المستشفى العام في غيبوبة الله يصبره ويرفع عنه.."
تمنيت له السلامة .. وغادرت.
في الصباح الباكر توجهت مسرعا للمستشفى كنت احاول اللحاق بموعد الزيارة وهل اذا وصلت في الوقت المناسب سيسمحون لي بزيارته ام لا؟
لكن حظي لم يكن بالجيد فقد أخبرني احد رجال الامن بالمستشفى ان الزيارات تبدأ من الرابعة عصرا الى السادسة وانه ينبغي علي ان آتي خلال مواعيد الزيارة .
عدت للجريدة وانشغلت بوتيرة العمل اليومي .. تحقيقات واخبار صحفية ومطاردات هنا وهناك.. واتصالات وهذه طبيعة عملنا الصحفي فبمجرد ان يدخل أحدنا لمقر الصحيفة ينسى كل شيء الا موعد صدورها.. حتى أني اذكر ان احد الزملاء وذلك قبل ان تصلنا الهواتف المحمولة ولا حتى البيجر كان مشغولاً بسبق صحفي أنجزه في صمت ثم عرضه على رئيس التحرير فما كان منه الا ان عمْد الاقسام الفنية بنشره, وظل هذا الزميل من شدة حرصة بالقرب من مخرج الصفحة ولم يهدأ له بال الا حينما استلم نسخة من الجريدة فأخذ يتأملها مزهو بما حققه اذ به يصادف والده في مدخل الصحيفة وكانت الساعة وقتها الثانية صباحا ولم ينطق والده ببنت شفه بل صفعة على وجهه ثم غادر, استغربنا هذا اللي حدث وكأن صاحبنا قد أفاق من سكرته وأخذ يضحك بهستيرية عجيبه ..
سألنا زميلنا: "ماذا حدث؟"
فقال: "اتدرون لما صفعني والدي؟"
من شدة لهفتنا لمعرفة السبب قلنا في صوت واحد: "ولماذا؟"
فقال: "هذه الليلة كانت ستصبح مميزة في حياتي" .. ثم اخذ يضحك وقال: "بالفعل اصبحت مميزة .. كان من المفترض ان اتمم عقد قراني هذه الليلة الا اني نسيت الامر برمته..!!!"
هذه حالنا في الصحيفة, لدرجة ان ينسى احدنا اهم ليالي عمره نتيجة الاندماج الذهني والعقلي مع الصحيفة.
لم التفت للساعة الا مع الخامسة والنصف مساءً, اقفلت مكتبي وغادرت على عجل ولحسن الحظ ان مقر المستشفى ليس بالبعيد عن مقر عملي.
وصلت للمستشفى واتجهت للاستقبال وسألت عن رقم غرفة العم محمد فأجابتني الممرضة بأنه في العناية المركزة وان الزيارات ممنوعة عنه, فسألتها عن الطبيب الذي يتولى الاشراف على حالته فأرشدتني اليه بعد أن هممت بالصراخ في وجهها فقد كانت لا مبالية الى اقصى درجة بل انها جمعت كل برود الدنيا فبمجرد ان تنظر الى وجهها تشعر بأن امراض الدنيا كلها ستحط على رأسك, كان الله في عون المريض الذي يقع في يدها.
كظمت غيضي وتوجهت الى غرفة الطبيب واذ به جالس على مكتبه وممسك بسماعة الهاتف, اومأ لي بأنه مشغول, تراجعت قليلا, ثم أخذ في سرد حكايات ومغامرات لها اول وليس لها آخر.
انتظرت إلا ان انتظاري طال ولم يبال بذلك , فتعمدت الوقوف بجوار مكتبه مواجها له عله يشعر او يحس بأني لم أت للنظر الى عينيه او الاستماع والاستمتاع بسرده لمغامراته تلك مع الطرف الآخر على الهاتف , فقام بتغطية السماعة بيده وسألني بتهكم "عاوز أيه..؟"
فرددت عليه بنفس اسلوبه في السخريه "تستطيع أن تكمل سرد بطولاتك والتباهي بها بعد افادتي بما جئت لاجله".
شعر بأن الوضع سيتطور لامور قد لا تحمد عقباها فأنهى مكالمته واعداً الطرف الأخر بالعودة اليه بأسرع وقت ممكن, ثم التفت نحوي فقال" عاوزني افيد حضرتك بأيه ياباشا؟"
فقلت:" العم محمد عرفت انه بالعناية المركزة, أريد أن استفسر عن حالته ومرضه وهل استطيع زيارته ومتى؟"
فقال: "انت مين ..؟ أبنه؟"
فقلت:" .. من ابناء عمومته..الا أني في مقالم ابنه"
لبس نظارته واخذ في تصفح ملف امامه لدقائق ساد فيها صمت مريع .. كانت تلك الدقائق وربما الثواني طويلة وقاتلة .. ثم رفع رأسه وقال: "ما خبيش عليك حالته صعبة.. فقد تعرض لصدمة عصبيه وهو الأن في غيبوبة.. والزيارة ممنوعة عنه.. أدعي له.."
أعتذرت للطبيب على تصرفي معه وغادرت وأنا في حالة من تشوش الافكار..! أستغربت مالذي يحدث لي ..!!
لماذا هذا الاهتمام بالعم محمد وكأنه من بقية عائلتي ام اني صدقت انه من ابناء عمومتي؟
هل الفضول الصحفي هو من دفعني للاهتمام به؟ سبحان الله ..العم محمد كان امامي لاكثر من خمس سنوات لم افكر حتى بالتحدث اليه قط..!!
عدت للجريدة وصورته لا تفارق مخيلتي..!! كما أن سؤال الطبيب هل أنت ابنه؟ خلق في رأسي الآف الاسئلة العطاش للاجابة..
لم تمهلني الجريدة فقد بدأت دورة العمل وانغمست به كالعادة ولم اغادر الا مع خيوط الفجر الاولى كالعادة..
وصلت لمنزلي مجهداً غاية في الاعياء القيت برأسي ولم افق الا في وقت متأخر,أغتسلت سريعا وحلقت ذقني واتجهت للمستشفى الا ان الحال كما هو عليه الزيارات ممنوعة..ثم عدت للجريدة لأبدأ دورة العمل اليومية من جديد..
استمر هذا الوضع لثلاثة اسابيع تقريبا .. وفي اليوم الثاني والعشرين اذ بالطبيب الذي تشكلت بوادر صداقة بيننا يتصل بي ليخبرني بأن العم محمد قد أفاق من غيبوبته وان وضعه الصحي مستقر عن ذي قبل وقد قاموا بنقله الى غرفة عادية وانه اصبح بالامكان زيارته, لم اصدق ما سمعته فخرجت مسرعا, لدرجة اني لم اجد الوقت لأخذ بوكيه ورد معي .. اخيرا سأتمكن من زيارة العم محمد, ولكن عندما اصبح عنده قد يستغرب تلك الزيارة..
لا اجد المبرر الكافي الذي سيجعله يقتنع بزيارتي له, ولهفتي للقائه وماذا اقول له؟.." كانت رغبتي في زيارتك لاني انوي ان اعمل معك لقاء صحفي..!!"
هل سيجد ذلك منطقي.. وهل سيتجاوب معي ..؟
طردت كل هذه الافكار من رأسي.. أنا الآن امام باب غرفته ولم يعد هناك وقت لهذا كله سأدخل عنده واقدم له العزاء وسأدع كل شيء لحينه, طرقت الباب ووصل الى مسامعي صوته المبحوح الذي تعلوه نبرة التعب "تفضل" دخلت الغرفة وسلمت عليه وقدمت له واجب العزاء واذ به يرد التحية وأخذ في شكري على زياراتي له فقد اخبره الطبيب بما كان مني واني الوحيد الذي زاره.. أحسست بأن هذا مدخل جيد لبدء رحلتنا التي طـالما انتظرتها الا ان حالته الصحية لا تسمح بانطلاقنا في هذه الرحلة .. وفجأة وبدون مقدمات اذ بالعم محمد يقطع حبل افكاري وكأنه قد قرأها اذ به يقول:
"أعلم يا ولدي ما يجول بذهنك لكن دعني اغادر المستشفى ولك ما تريد .. سأزيل عن كاهلي هم السنين وسأخبرك بأشياء كثيرة قد تحل غموض الاسئلة التي يمتليء بها رأسك..!!"
فقلت له: "وماذ في رأسي ياعم محمد.. أنا أحببت فقط ان اطمئن على صحتك فقد تعودت خلال الفترات السابقة ان اراك كل يوم تقريبا وعندما افتقدتك بحثت عنك فعرفت انك في المستشفى.." لم يدعني أكمل عبارتي فقال: "يا ولدي اعلم انك صحفي وأعرف فضول الصحفي خصوصا ما كنت تراه مني من بعض التصرفات التي قد توحي للبعض بالجنون الا اني اثرت ان انقطع عن عالمكم واعيش عالمي قدر المستطاع الى ان يأتي اليوم الذي لا مفر منه.."
فقلت: "اطال الله عمرك ياعم محمد.. واشكرك من اعماقي على ثقتك.."
غادرت المستشفى ولسان حالي يقول عجل بالخروج ياعم فلم اعد اقوى الصبر .. وبالفعل لم يمر سوى اسبوع الا وتماثل للشفاء وسمح له الطبيب بمغادرة المستشفى لتحسن حالته..
حملته في سيارتي واتجهنا لمنزله ناولني مفاتيح بيته ففتحت باب ذلك المنزل الذي كان خاليا لا روح فيه.. وما ان دخلنا المنزل بدأت ملامح الحزن وبدأ الدمع في التساقط .. دار على غرف المنزل وأخذ يبحث في ذكرياته عن والدته ثم أشار لي .. "هنا كانت تجلس وهناك كانت تحتسي قهوتها.. في الغرفة تلك كانت تقضي قيلولتها.."
حاول أن يكتم عبراته تلك الا انه لم يستطع فأخذ في بكاء مسموع .. ورغم محاولاتي التي باءت بالفشل لتصبيره الا ان حالي لم تكن بأحسن من حاله .. شاركته البكاء ولا اعلم الى اللحظة لماذا بكيت؟
ولم يقطع حالنا تلك الا طرق على الباب ففتحت وكأنني ابحث عن ذلك الزائر ليخرجنا مما نحن فيه.
جمع من جيرانه قدموا لتأدية سنة العزاء.. بعضهم احضر معه أكل والبعض الآخر قام بتنظيف المنزل ثم اخذوا في الدعاء لوالدته بالرحمه واسترسلوا في ذكر محاسنها..
لا اعلم مالذي حدث لي؟ أحسست بأني اعرفها وفجأة اخذت في بكاء من اعماقي وتمثلت صورة والدي - رحمه الله - امامي تذكرت وفاته وايام العزاء وماعقبها من احداث واليتم الذي احسسته بعد وفاته .. كل تلك الصور والاحداث عبرت امامي في لحظات..
بعد مغادرة جيرانه مكثت معه الى مابعد منتصف الليل فاستأذنته للذهاب للجريدة على وعد مني بالعودة فور انهاء بعض الأعمال وطلبت منه محاولة الخلود للنوم لاجل صحته.. ولم أنس ان ادون رقم هاتف منزله ثم زودني بنسخة من مفاتيح منزله وقال: "ياولدي اشعر بشعور غريب ناحيتك وقد اتعبتك معي.."
فقلت: "ماذا تقول ياعم محمد؟ أستمتعت بكل ثانية قضيتها معك واشكرك على هذه الثقة"
وصلت لعملي في وقت متأخر .. كان علي انهاء بعض الامور المتعلقة بالعمل ثم تقدمت لرئيس التحرير بطلب اجازة لظروف طارئة لفترة عشرة أيام وتركتها في مكتبه وعدت ادراجي لمنزل العم محمد لابدأ رحلتي الموعودة.
تجاوزت الساعة الثالثة صباحا عندما وصلت لمنزل العم محمد فتحت الباب و تسللت في هدوء حتى لا أوقظه من نومه ضن مني انه قد نام الا اني وجدته جالس يتأمل البوم صور بيده, فعاتبته: "لماذا لم تنم الى الآن..؟"
فقال: "لم يسبق لي النوم بعيد عن والدتي..!!", ثم اغرورقت عيناه بالدموع ولم يستطع اكمال حديثه أخذت في تهدئته وأخبرته أن هذه طريقنا وكلنا سنشرب من نفس الكأس, ثم التفت إلّي وأخذ يحدثني عن الصور التي في يده, أستمر الحال حتى اذان الفجر.. صلينا ثم استلقى كل منا على فراشه.. لم اشعر بنفسي فذهبت في سبات عميق.
في منزل العم محمد وبرغم الهدوء الذي يحيط بالمكان من كل الجهات الا انه وقت النداء للصلاة يتغير الوضع ويتلاشى ذلك الهدوء وتصبح حينها لا تسمع الا صوت المنادي للصلاة وكأنك بداخل المسجد, ومع اذان الظهر استيقظت مع الاذان, فلمحت العم محمد جالساً على فراشه, القيت عليه التحيه وسألته عن نومته كيف كانت ومتى استيقظ, فأجابني انه لم ينم بعد..!!
أخذت في عتابه وتذكيره بوضعه الصحي ولابد له ان ينام وأننا مسلمون وستمضي علينا الاقدار شئنا ام ابينا والرضا بها ركن من اركان الايمان.
بدأ ذلك اليوم جديد عليّ في كل شيء الا اني قررت ان اكمل مابدأته وليس هناك وقت للتراجع, بعد العودة من المسجد قمت بتجهيز الافطار واذ به يرفض الاكل فلم يكن بيدي حيلة الا ان اجبره على تناوله وللغرابه انصاع لامري وبدأ في تناول افطاره.
بعد ان شربنا الشاي طلبت منه ان يحاول الحصول على قسط من النوم واخبرته اني قمت باعداد برنامج لكلينا سنبدأه بعد صلاة العصر, فنظر الّي ثم اشاح بوجهه رافضا كل شيء بما في ذلك النوم, لم امهله فأخذت بيده واجبرته على النوم فنام وسمعت له شخيرا كأنه لم يذق النوم منذ فترة طويله..
تركته نائم وقمت بانهاء بعض المستلزمات الضرورية لبرنامج المساء وعدت اليه قبل العصر بدقائق, فقمت بايقاضه واخبرته ان لي نيه ان نصلي المغرب في الحرم المكي فوافقني بدون تردد .. ثم قال: "أتعلم ياولدي اني كنت اتمنى ان اذهب للحرم منذ سنة ولم استطع..!"
فقلت: "لم تستطع ياعم محمد.. لماذا؟"
تنهد من اعماقه وذهب بنظره الى عالم بعيد ثم قال: "والدتي – رحمها الله- .. لم اجروء يوما ان اخالفها وقد افصحت لها منذ سنه برغبتي في الذهاب لمكة الا انها رفضت ان اذهب وذلك لعدم مقدرتها على الذهاب لكبر سنها فامتثلت لها وبقيت بجانبها.. رحمها الله"
لم اشأ ان اتعمق في الحوار معه حول الموضوع لان الوقت سيدركنا.. واذ به يحمل احرامه يريد ان يغتسل.. فقلت : لا يعم محمد هذه المرة ستكون للصلاة فقط ولاحقا سنجعلها عمره بمشيئة الله.. فصحتك لا تستحمل .. الا انه اصر وبشكل غريب..
فقلت : " كما تريد.. امري لله ..عمره.. عمره.."
لبس كل منا احرامه ثم انطلقنا لمكة المكرمة وماهي الا ساعة الا ونحن في الحرم المكي الشريف, حيث الطمأنينة والسكينة والراحة التي لا استطيع ان اصفها مهما حاولت.. اللهم زد هذا البيت تعظيما وتشريف ومهابة ورفعة وبرا..
في الحرم الشريف مع روعة المكان وقداسته الا ان الجهود المبذولة من حكومتنا الرشيدة ظاهرة للعيان تليق بالمكان وقدستيه ولعل توفير عربات للكبار في السن والضعاف من الاشياء الجميلة التي لابد من ذكرها وبالمجان فقط تسلم هويتك للموظف المختص وتحصل على العربة لضمان اعادتها ليستفيد منها غيرك, فأخذت للعم محمداحدى تلك العربات واجلسته ثم بدأنا الطواف , ادركتنا صلاة المغرب مع نهاية الشوط السابع ولله الحمد, صلينا وبعدها اتجهنا للمسعى وأكملنا عمرتنا بفضل من الله .. انتهينا من عمرتنا مع اذان العشاء.. وبعد اداء الصلاة في ذلك الجو الروحاني جلسنا في الحرم..
بعدها التفت اليه ..وقلت: "هاهي امنيتك تحققت ياعم محمد .. والحمدلله"
نظر الي ووجه يشع بالنور والسرور باد على محياه ثم قال: ياولدي اشعر كأني ولدت من جديد .. ما اروع هذا الاحساس"
ثم أخذ كل منا يتأمل ماحوله ومن حوله من ضيوف الرحمن وكل منهم مقبل على ربه دون وسيط ولا ترجمان يبوح بما في نفسه لخالقه ويغسل نفسه ويطهرها من ادناسها وذنوبها فلك الحمد والشكر يارب على نعمك والآئك.
في العاشرة مساءً غادرنا الحرم .. الا اني لاحظت على العم محمد شيء غريبا .. حالته الصحية رائعة جداً والحمدلله كما ان النشاط باد عليه ولا اثرللتعب اوالاعياء خصوصا انه لم يحصل على القدر الكافي من النوم.
توقفنا خارج مكة المكرمة وتناولنا طعام العشاء.. وبعدها اقفلنا عائدين لمنزله..
كان الاعياء قد بلغ بي حده الا اني حرصت الا انام حتى اتأكد من نومه وبالفعل ذهب في سبات عميق بمجرد فرد قامته الطويلة تلك على سريرة, حينها استلقيت وذهبت في عالم ثانٍ.
استيقظنا سوياً مع اذان الفجر وبعد ان قضينا الصلاة اذ به يقول:
" ياولدي اعددت لك شي .. قد يروقك"
فقلت: "على بركة الله انا جاهز ياعم محمد"
فقال: "اولا تسألني عنه؟"
تبسمت في وجهه وقلت:"ما سيأتي منك سيكون رائعاً.. ياعم محمد"
اخذ عصاه وانتصب قائما .. ثم نظر الي وقال: "اذا اتبعني... ولكن لا تسأل عن أي شيء تراه.."


يتبع....
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.google.com
واثق الخطى
 
 



ذكر
عدد الرسائل : 209
تاريخ التسجيل : 08/09/2006

رواية اول الغيث.. سبر اغوار الوجوه (الحلقة الاولى) Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية اول الغيث.. سبر اغوار الوجوه (الحلقة الاولى)   رواية اول الغيث.. سبر اغوار الوجوه (الحلقة الاولى) Emptyالإثنين نوفمبر 27, 2006 5:07 am

مشكووووورة دمعة شووق رواية رائعة
و ننتظر بقية الحلقات
تحياتي و سلامي لك
اخوك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.elrafik.com
نسمة بحر
 
 



عدد الرسائل : 205
تاريخ التسجيل : 16/11/2006

رواية اول الغيث.. سبر اغوار الوجوه (الحلقة الاولى) Empty
مُساهمةموضوع: رد: رواية اول الغيث.. سبر اغوار الوجوه (الحلقة الاولى)   رواية اول الغيث.. سبر اغوار الوجوه (الحلقة الاولى) Emptyالخميس ديسمبر 14, 2006 10:10 am

قصة حلوه جد

<<<<< تنتظر البقية


مشكووورة دمعة

تحيتي لك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.a7bab.forum-canada.net
 
رواية اول الغيث.. سبر اغوار الوجوه (الحلقة الاولى)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
نحن هنـــــــا :: نحن هنــــــا الادبـــية :: منتدى القصص-
انتقل الى: